ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ

بسم الله الرحمن الرحيم وبه التوفيق والسداد.

مدارسة الآية 125 من سورة النحل (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
قال الإمام القشيري في تفسير هذه الآية: الدعوة إلى سبيل الله بِحث الناس على طاعة الله، وزجرهم عن مخالفة أمر الله، والدعاء بالحكمة، وألا يخالف بالفعل ما يأمر به الناس بالنطق.
الموعظة الحسنة ما يكون صادرا عن علم وصواب ولا يكون فيها تعنيف.
وجادلهم بالتي هي أحسن، بالحجة الأقوى والطريقة الأوضح. قال تعالى عن دعوة شعيب لقومه (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) الآية 88 من سورة هود.
فشرط الأمر بالمعروف استعمال ما تأمر به والانتهاء عما تنهى عنه. وعلى ضوء هذه الآية نتحاور ونناقش ونحاول استخراج ما اشتملت عليه الآية من كنوز. ففي السيرة النبوية ما يعزز ترسيخ فهم الآية فهما عمليا، وقد بعث الله النبيين لتعليم الحكمة (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية 48 من سورة آل عمران.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ ) الآية 159 من سورة آل عمران.
الرفق والصبر ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق. وكل الأحاديث التي تدل على الرفق تكاد تستوعب معاني العلم والصبر واللين والسماحة والطيبة والعطاء والعفو والشفقة كلها مجتمعة. الرفق هو شعبة من شعب الإيمان تستظل بخصلة التؤدة وهي الرفق في مقابل العنف.
والرفق بهذا المعنى هو سلوك إيماني وخلق كريم لابد أن تتحلى به المؤمنة والمؤمن، وأن يدعوان إلى الله على بصيرة وبينة. ثم إن التربية تريد من المربي حِلما كثيرا وصبرا ومُدارات، وهكذا كان المربي الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ )
فسرها ابن كثير بقوله: من احتاج الى مناظرة وجدال فليكن على الوجه الحسن، برفق ولين وصبر.
والنظر إلى قول الله تعالى في خطاب سيدنا موسى (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) الآية 44 من سورة طه.
وأهم ما في أساليب الدعوة، البساطة ومخاطبة الناس بما يفهمون.
خاطبوا الناس على قدر عقولهم. ومما ينبغي التحذير منه هو حب الظهور والرياء، وهو شهوة خفية، وقد عجز عن الوقوف على غوايلها سماسرة العلماء فضلا عن عامة العباد والأتقياء، وإنما يبتلى بها العلماء والمشمرون على ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة.
لذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تجديد النية في كل حركاتنا وسكناتنا حتى لا نكون من الذين قال الله عز وجل فيهم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) من سورة الكهف.
ونخلص ما قلناه في هذه الكلمات الوجيزة:
من مؤهلات الداعية التوفيق من الله قبل كل شيء ثم العلم بالتلقي سمعا ومضمونا ثم الثقافة – والداعية اليوم لابد أن يكون له إلمام بثقافة العصر وأن يكون مواكبا لما يجري في عصره – ثم الشخصية القوية ثم الموهبة. فالعلم والثقافة والشخصية القوية كلها تُكتسب. أما الموهبة فهي هبة ربانية. ولا يُعبد الله إلا بالعلم. وهنا نقف عند أهمية العلم والثقافة التي تمنح لنا دراية واسعة وهي أحد مؤهلات الداعية ولنعلم أن الدعوة واجبة وسنة مؤكدة في حق كل من توفرت فيه شروطها حتى يدعو على بصيرة،  “فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم” كما قال رسول الله ﷺ لِعَلي.
وأول من ندعوهم أبناؤنا وبناتنا – نربيهم تربية حسنة دينية إيمانية حتى يثبتوا على الفطرة وعلى ملة الإسلام – ثم عشيرتك الأقربين ثم الأقرب فالقرب من الجيران والأصحاب في العمل والمجالس. وفي الولائم أحاول أن أعرض عن المواضيع التافهة بتحويل النقاش إلى مواضع تصب في الدعوة إلى حب الله بلباقة وحكمة.
وزادنا بحول الله وتوفيوقه في ارشاد العباد هو القرآن الكريم تلاوة وتدبرا، فهو البحر الذي لا تنقضي عجائبه. وكذلك دراسة سيرة رسول الله ﷺ وصحابته الكرام، فالتشبة بالكرام إحسان. ثم كذلك كتب الرقائق مما كتبه علمائنا الاجلاء من السلف الصالح.
ثم الصبر واليقين: فإنهم يورثان الإمامة في الدين وهداية التوفيق . وأقول مع كل هذا لا بد من صبر ومصابرة فإن الصبر ضياء (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ ) الآية 28 من سورة الكهف.

وأختم بقول ابن القيم جزاه الله عنا خيرا “إذا تزوج الصبر باليقين، ولد بينهما حصول الإمامة في الدين” قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) الآية 24 من سورة السجدة. وقول الله عز وجل (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ ) الآية 56 من سورة القصص.

Leave a Reply