فكرة جمع كتاب المعسول، كما سطرها المرحوم سيدي محمد المختار السويسي، بتصرف مع اختصار لا يخل بالمعنى من وضع الكتاب:
قال رحمه الله وأجزل توابه، كنت أتمنى وأنا إذ ذاك في مراكش في موالاة الدروس لمن يحلقون حولي، لو أجد فراغا لما يختمر في نفسي حتى أؤدي هذه المهمة التي كانت عندي إذ ذاك كفكرة حديثة أشار بها علي أحد الأصدقاء.
ثم لما نفيت من مراكش إلى مسقط رأسي في “إلْغ” من طرف المستعمر مختتم سنة 1355 هجرية، امتشقت القلم واتخذته أنيسا في اليوم الثاني من نزولي في إلغ. وحين لم أجد من أخالط إلا من في زاويتنا، قنعت بتسجيل ما يتيسر من بعض أذكيائهم، فشرَعت في تدوين كتاب عن إلغ وعن كل من مرّ فيه من العلماء والأدباء والحوادث، ليكون لنا ككتاب آل زاوية “تمكيدشت” الذي ألفه العربي المشرفي الفاسي. ثم نظمته تنظيما يكاد يستوفي كل أعمال زوايا سوس ومدارسها، وجمع رجالات الأسر العلمية تفصيلا. وقد رتّبت الكتاب على خمسة أقسام فاشترطت أنني كلما ذكرت رجلا ممن كانوا على شرط الكتاب، أن أذكر كل ما حواليه من رجالات أسرته من العلماء ومن تلاميذه ومن أساتذته. وبهذا استطعت أن أحشر في الكتاب كمية كبيرة من زوايا العلم بسوس وبعض ديار الرئاسة. فطال الكتاب بذلك حتى كانت مجلداته تنقسم إلى عشرين جزء في الألفيين العلماء والرؤساء وفي أساتذتهم كالجستيمين والأدوزيين والتمكيدشتيين وآل ماء العينين والمزواريين والتامانارتيين والإقراضين وفي تلاميذهم ومدرستهم كاليزيدين والسالميين والحُضيكيين والدرارتين والناصريين والمهدويين الاساويين، وفي الآخذين عن زاويتهم كالإكراميين والمحجوبين والرسيفين والمعديين والركنيين والتاليتين، ومن أصدقائهم السوسيين رؤساء كالجرارين والمنارتين.
وبهذا صار الكتاب عن سوس موسوعة، فيها تسجيل كل ما أمكن من أخبار بعض العلماء وبعض الصوفية.
ولا ينسى القارئ الناقد أنني مؤرخ. وقلم المؤرخ كعدسة المصور تلتقط كل ما أمامها، حتى ما تقذى به العين. فكما تلتقط الاشعاعات الساطعة تلتقط الظِّلال القاتمة فإن لم يكن قلم من يجمع التاريخ كذلك فإنه قلم التضليل والمسخ للحقائق.
والمقصود أولا وآخرا أن يطلع القارئ على ما يقوم به جانب من جوانب المغرب، من أبناء الأمازيغ الشلحيين البدويين، في نشر اللغة العربية وعلومها وآدابها. وقد أولعوا بذلك ولوعا غريبا، فقاموا بأعظم دور في ذلك بجهودهم الخاصة من غير أن تعينهم الدولة.
ثم إنني ابن زاوية، مؤمن بالروحانيات الصادقة، أقبل خرق العادة إن صحّ أن ذلك واقع. ولذلك يعذرني من ليس له هذا الإيمان، إن وجد في بعض التراجم من الكتاب مثل ذلك، فله دينه وليَ ديني.
فليعلم المطالع لهذا الكتاب أنه سيخوض في أخبار الفقهاء والأدباء والرؤساء والصوفية، فيكون كالداخل إلى السوق التي تجمع كل شيء. فليأخذ ما يعجبه وليعرض عما لا يعجبه.
وحسب القارئ، فكتاب “سوس العالمة” هو عبارة عن نافدة لهذه الموسوعة التي تسمى “المعسول”.