بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مناقب أمهات المؤمنين وحضور المرأة في اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ظن الناس عبر عصور أو قرون العض والجبر أن المرأة لا حظّ لها في السلوك إلى الله ولا عبرة بوجودها. وأثر هذا على المرأة بالإحباط. فإذا كانت المرأة غائبة فكيف تغرس لنا معاني التربية الإحسانية في الناشئة، وقد غيب كثير من الفقهاء وغيرهم جانب السلوك لدى المرأة، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما مدّ رحمته إلى الرجل كذلك مدّ رحمته واهتمامه إلى المرأة. وخير مثالٍ أزواجه أمهات المؤمنين وبناته اللاتي تخرجن من مدرسة النبوة. كل واحدة منهن كانت رائدة لمعنى من معاني هذه الرحمة سلوكا وعملا وجهادا.
زينب بنت جحش رضي الله عنها
وأمها (أميمة) بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لما خطبها رسول الله لمولاه زيد بن حارثة (حِبّ رسول الله)، كانت زينب وأهلها كارهين لذلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لقد رضيته لك. ولما كرهت زينب ذلك أنزل الله قوله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) 36 سورة الأحزاب.
وتم زواج زينب بيزيد بن حارثة طاعة لأمر الله ورسوله لكن الحياة الزوجية لم تصف. كان الجفاء هو طابع ذلك الزواج الذي تم بأمر الله لإبطال عادة التبني وأحكامها الجاهلية. وألزم الله بذلك المبدأ الإسلامي الذي لا يتفاضل فيه الناس إلا بالتقوى.
ولما شعر زيد بصعوبة التعايش مع زينب ذهب إلى رسول الله يستأذنه في طلاقها والرسول صل الله عليه وسلم يقول له اتق الله وامسك عليك زوجك. وهو يعلم أن الله سيأمره بالتزوج منها بعده إبطالا لبدعة التبني ولكنه لا يظهر هذا لغيره. وكان بمقتضى الشريعة. وهو يخشى قول الناس وخاصة المشركين أن يقولوا أن محمدا تزوج امرأة ابنه. فأنزل الله قوله (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) 37 سورة الأحزاب.
نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وطار البشير بالبشرى إلى زينب.
ولما دخلت عليها خادم رسول الله (سلمى) تركت ما بيدها وقامت تصلي لربها شاكرة (انظر صحيح مسلم في باب النكاح).
وهكذا زوج الله زينب من نبيه بنص كتابه بلا ولي ولا شاهد حتى كانت تفخر على أمهات المؤمنين وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه. وتوفيت زينب بعد رسول الله ومن مناقبها رضي الله عنها أنها كانت كريمة خيرة تصنع بيدها ما تحسن صنعه وتتصدق به في سبيل الله على المساكين.
وقالت عنها عائشة أم المؤمنين ضرتها حين بلغها نعي زينب: لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل.
ولقد توفيت في ثلاث وخمسون من عمرها وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهي أول من توفيت بعد رسول الله صل الله عليه وعلى آله.
فصدق عليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا) والحديث روي عن عائشة رضي الله عنها. ورحم الله أكرم النساء وأطولهن يدا. قال عنها الذهبي: كانت من سادة النساء دينا وورعا وجودا ومعروفا رضي الله عنها وحديثها في الكتب الستة.
من هو زيد ابن حارثة
كان سُرق من أهله ثم بيع في السوق على أنه رقيق. فاشتراه -حكيم بن خزام- ثم وهبه للسيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ثم وهبته بدورها لرسول الله صل الله عليه وسلم. ولما علم أهله وقومه بمكانه جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه ابنهم. قال لهم رسول الله خيروه فإن اختاركم فهنيئا لكم وإن اختارني فما كان لي أن أسلمه.