(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبعُونِي يُحْببْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الآية 31 من سورة آل عمران.
المقصود بالإتباع وسر الإتباع والحكمة في شرف الإتباع أن يخرج الإنسان من مراد نفسه إلى مراد ربه وهو المقصود في حقيقة العبادة، ومن وصل إلى هذه الحقيقة في اتباعه لرسول الله ذاق حلاوة الأنس بالله فبات أمره كله لله وفي الله وعلى الله. معنى ذلك أنه بات يرى بعين قلبه وقالبه
قال صاحب المدارج – ابن القيم – لن يصل العبد إلى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية حتى يعرف الله ويهتدي إليه بطريق توصله إليه، ويحرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة. لأن في القلب طاقة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله. ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وآلام وحسرات وهذه المنزلة العلية التي أشار إليها ابن القيم لاتتحقق إلا إذا طهر الإنسان قلبه من الأمراض التي تحجبه عن هذه المعرفة
كيف يطهر الإنسان قلبه بالمحاسبة والمجاهدة والاستغفار والتوبة والإنابة؟
المجاهدة والمحاسبة أن تجتهد في أمور لابد منها للانسان. يحتاج إليها في سيره إلى الله من صلاة وصيام وصدقة وكثرة الذكر وقيام الليل. لكن هناك معنى في مجاهدة النفس أعمق من هذه المعاني كلها وهو أن يروض المؤمن نفسه على أن تترك ما تريد لما يريده الله عز وجل، طاعة لله واتباعا لرسول الله صل الله عليه وسلم. وقد ذكره الغزالي في الإحياء ((ويروى أن الله تعالى أوحى إلى دواد عليه السلام: يا داود إنك تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد)) وهذا المعنى هو حقيقة العبودية.
وإن من الأمراض التي تطفئ نور الاتباع: الكبر والعجب. وليس هناك مانع أعظم من النفس الأمارة بالسوء.
والقيام بالطاعات يعين على ترويض الإنسان لنفسه على اتباع أوامر الله عز وجل.
لكن سيطرة هوى النفس على الإنسان يجعله يفوت الإتباع بصور شتى، عندما تسيطر عليه أمراض النفس التي تقدح في أعماله، عندما يداخله الكبر والعجب بسبب نقص نور الإتباع، فيفوت الاجر الكبير.
العلم بأحكام الله وبفقه هذا العلم يعرف كيف يكون متبعا. وعندما يكون متبعا يجد حلاوة الإتباع بعد أن يذيق نفسه مرارة مخالفة هوى النفس.