هذا العنوان يوحي إلينا أننا أمام بناء شامخ يتطلب منا الجهد والجهاد لتحقيق الاستقامة. جهاد مع النفس الأمارة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا). هذا البناء يتمثل في ترويض الأنفس على مكارم الأخلاق التي جاء بها القرآن. وفي رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. كان رسول الله صل الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض كما قالت عائشة رضي الله عنها لما سؤلت عن خلق رسول الله. أو كما قال عليه الصلاة والسلام ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وإن العبد ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم.
وكما أن الاستقامة هي تزكية النفس بحفظ الحدود والوفاء بالعهود والرضا بالموجود والصبر على المفقود، كما قال ابن عطاء الله في “الحكم العطائية”. وللنفس ميزان ضبط وهو ميزان الشرع في الخطاب القرآني الآية 9-10 من سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) وفي سورة فصلت الآية 6 (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ). والنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع ولم ينفطم.
كيف أطهر نفسي الأمارة بالسوء وأرقى بها إلى مراتب الإحسان والمراقبة؟ بالمحاسبة والتوبة والإنابة ثم المجاهدة في أن أفطمها عن القدورات من كبر وغرور وكل الأمراض التي تحجب عن الله. وترويضها على الكمالات والفضائل التي يحبها الله. والطريق في ذلك إلى كرم الله في قوله الآية 152 من سورة البقرة (فَاذْكُرُونِي أَذْكُـرْكُمْ). والدعاء يقرب المسافات (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية 60 سورة غافر، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) الاية 186 سورة البقرة.
الدعاء هو تأشيرة الدخول إلى عالم النور والرحمة والصحبة من أعظم أبواب الاستقامة والسلوك إلى الله عز وجل. وحضور مجالس الإيمان تحيلك إلى تحقيق النداء القرآني (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) الآية 6 من سورة فصلت، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) الآية 69 من سورة العنكبوت.