يرى أصحاب البصائر المنورة الرحمة تنزل على الذاكرين دائما كما رآها رسول الله صل الله عليه وسلم. فقد روى الإمام أحمد في الزهد عن ثابت قال: “كان سلمان في عصابة يذكرون الله، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفّوا. فقال: “ما كنتم تقولون؟” قلنا: نذكر الله. قال: “إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها”. ثم قال: “الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم”. وذلك قوله تعالى لحبيبه: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الاية 28 سورة الكهف
روى الطبراني وابن جرير عن سهل بن عبدالله بن حنيف نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله منهم بلال وخباب وصهيب وغيرهم من الفقراء الذين كانوا يجتمعون لذكر الله.
وفي هذا الحديث نلتقي بمبادئ السلوك وأركانه والذي توحي به الآية الكريمة. المعية وهي الصحبة (مع) الجماعة: جماعة من المسلمين أهل ((الصفة)) المذكورون، بدوام الذكر بالغداة والعشي مع صحة الإرادة وشمولها وتجردها وتعلقها بوجه الله عزوجل فوق كل الارادات الدنيوية.
وقد اجتمع أشراف قريش عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء من عندك، وعين لهم وقتا وحدهم في الاجتماع بك. فانزل الله هذه الآية على نبيه أن لايصرف بصره إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف. وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم كما ذكر ذلك المفسرون حريصا على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم ولم يكن مريدا لزينة الدنيا قطّ.
فقال له رب العزة لاتطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين، فقلوبهم غافلة عن ذكر الله وقد شغلوا عن الدين بالدنيا وهم ((عيينية بن حصين وأصحابه )).
توحي لنا هده الآية الكريمة بعلاج مرض الكبرياء والطبقية والغرور وهو الشرك الخفي وذلك ما ظهر في زماننا فالإنسان بات يعبد أصناما أخرى هي الدرهم والعولمة والموضة وما شابه ذلك من أوثان هذا الزمان. ونرى كذلك أن أصل كل الخصال المدمومة هي الكبر، خصلة إبليس اللعين. وهو الشرك الخفي ومنه جاءت الطبقية التي حاربها محمد عليه الصلاة والسلام وهو الرحمة المهداة للعالمين من رب العالمين.
كما تذكرنا الآية بأهمية الذكر للذاكرين الله كثيرا والذاكرات. وذلك في مشهد نوراني (أهل الصفة مع الحبيب المصطفى) أي مشهد هذا الذي يعبر بك الى تلك الحقبة من الزمن الجميل عهد النبوة والرحمة لتشاهد بقلبك تلك التلة من الصحابة الكرام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله في من عنده.