يقول الله تبارك وتعالى في هذه الآية من سورة الشعراء (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) يعني قربت ودنيت من أهلها مزخرفة ومزينة لناظريها، وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما في الدنيا وعملوا لها (أي الاخرة) في الدنيا.
ويقال أن الجنة تقرب من المتقين كما أن النار تجر بالسلاسل إلى المحشر نحو المجرمين. ويقال تقرب الجنة بأن يسهل على المتقين حشرهم إليها وهم خواص الخواص (أي المتقين). ويقال هم ثلاثة أصناف:
(1) قوم يحشرون إلى الجنة مشاة وهم الذين قال الله فيهم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) الآية 37 الزمر وهم عوام المؤمنين.
(2) وقوم يحشرون إلى الجنة ركبانا على طاعاتهم المصورة ((حيوان)) و هم الخواص، هم الذين قال الله فيهم جل وعلا (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا) الآية 85 سورة مريم، وهؤلاء هم الخواص.
(3) وأما خاص الخواص فهم الذين قال عنهم الله تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) الآية 89 الشعراء.
وقبل أن نتكلم عن الجنة ونعيمها وما أعده الله لعباده الذين اتقوا، كما جائت به الأخبار في الكتاب والسنة، قبل ذلك نقف عند كلمة (المتقين) من هم المتقون ؟؟؟
هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وعلى ربهم يتوكلون – هم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الآية 5 البقرة و (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) والمتقون هم جمع رجال ونساء من المؤمنين فهن وهم يحتاطون أن لاتحبط أعمالهم، فيتقون الله لتودع لهم في سجلات القبول. فهم الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقرّوا بتوحيد الله وما أنـزل من كتبه وعملوا بطاعته أولئك (كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)، هم الموقنات والموقنون بالآخرة دار الجزاء وبالنظر إلى وجه الله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
وروى الإمام أحمد وأهل الحديث أن لأولياء الله في الدنيا رؤية قلبية تسمى مشاهدة، هي عربون معجل ونموذج لرؤيته في الآخرة. من كتاب الإحسان ج2 ص85.
وترسيخا لمفهوم التقوى نأتي بكلام لابن القيم في كتابه الفوائد عن حقيقة التقوى قال “اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه. والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لاتقوى الجوارح”. واستدل بقوله تعالى (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج 32 ثم الآية 37 من نفس السورة (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ). وقال رسول الله صل الله عليه وسلم – التقوى هاهنا وأشار الى صدره – رواه مسلم والترمدي واحمد.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين”. وَهَذَا من جَوَاهِر الْكَلَام وأدله على كَمَال فقه الصَّحَابَة وتقدمهم على من بعدهمْ فِي كل خير رَضِي الله عَنْهُم. انتهى ماجاء به ابن القيم.
ومعنى قول أبي الدرداء هو “ذرة من اعمال القلوب خير من جبال من اعمال الجوارح”.
وماذا عن الجنة ونعيمها دار المتقين؟
جعلنا الله وإياكم من أهلها.
يتبع إن شاء الله…