بسم الله الرحمان الرحيم
من أهدافنا في هذا الجمع المبارك أن نجمع الشتات ونؤلف ونقارب لتحقيق أهداف الشعار المرفوع لهذه الدورة للنصيحة (وتحقيق الذات الوحيدة لتجديد أمة) تحت ظل قول الله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران 159.
وذلك إن شاء الله لتحقيق الأهداف الآتية (الرفق والرحمة، القلب الجامع الرحيم، الأمومة الحانية، الانصاف والبحث عن الحلول، البذل، رحابة الصدر، تقبل العذر، عدم التكلف) ثمانية أهداف لبناء الذات الوحيدة بنيانا مرصوصا يشد بعضه بعضا.
ولن يتأتى لنا هذا إلا بالصدق في نيل المطالب العلية والغاية الإحسانية. ولن يتأتى لنا ذلك إن لم يكن طلب وجه الله هو همنا والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه والتفقه فيهما وتعليمهما، عمدتنا وشغلنا. لا ننفك عنه في حقل الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. فالدعوة إلى الله هي ارتقاء المؤمنة من المتابعة المجردة لما يجري حولها إلى المشاركة الفعلية في الدعوة بالقلب الجامع لمعاني الرفق والرحمة. والقدوة بسيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم في قوله ”اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون“، ”اذهبوا فانتم الطلقاء“، ”من كنت جلدت له ظهر فليقتص مني“ .. إلى أكثر من ذلك من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله.
ولا يفوتنا قبل ان نختم هذه المذاكرة أن نلم ببعض ظروف الآية وأسباب نزولها. لقد كانت هذه الغزوة بمثابة تمحيص وابتلاء للمسلمين الذين زلزلوا زلزالا شديدا لما أصابهم من قتل وفتنة فقد أظهرهم الله على عدوهم وكاد النصر يكون لهم لولا أن وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فضيعة قلبت الوضع تماما. وأدت الى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين وكادت تكون سببا في مقتل النبي عليه الصلاة والسلام.
فقد كان رسول الله أمرهم ألا يغادروا أماكنهم من الجبل سواء كانت الهزيمة أو النصر لكنهم اغتروا بفرار العدو وانهزامه فنزلوا من موقعهم طمعا في الغنائم فباغثهم كمين للعدو تحت راية خالد بن الوليد الذي – كان لم يسلم بعد – فطوقتهم واشتد القتال بينهم واستشهد من المسلمين سبعين من الصحابة منهم حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم (أسد الإسلام ) وعبد الله بن جبير ومصعب بن عمير. وظن المشركون أن الرسول قد قتل فانشغلوا بالتمثيل بالشهداء مما جعل الجيش الإسلامي يتسرب الى المواقع الاستراجية التي مكنته بفضل الله من إعادة الهجمة على العدو الذي انسحب راجعا الى مكة.
ونزلت حول موضوع المعركة ستون آية من آل عمران تبتدئ بأول مرحلة من المعركة ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ثم بعد ذلك قال الله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذا الموضوع بسطا تاما في زاد المعاد ص 99 إلى 108. وقال ابن حجر في الفتح الباري إن العلماء قالوا في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها، من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب المنهي عنه. ومنها أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها عاقبة. وقد خاطب الله نبيه صل الله عليه وسلم في ذلك ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ….﴾ فجاءت هذه الآيات مشتملة على مقومات نجاح الدعوة النبوية وأصول الحكم الإسلامي ومنهج التعامل مع الناس.