بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مناقب أمهات المؤمنين وحضور المرأة في اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ظن الناس عبر عصور أو قرون العض والجبر أن المرأة لا حظّ لها في السلوك إلى الله ولا عبرة بوجودها. وأثر هذا على المرأة بالإحباط. فإذا كانت المرأة غائبة فكيف تغرس لنا معاني التربية الإحسانية في الناشئة، وقد غيب كثير من الفقهاء وغيرهم جانب السلوك لدى المرأة، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما مدّ رحمته إلى الرجل كذلك مدّ رحمته واهتمامه إلى المرأة. وخير مثالٍ أزواجه أمهات المؤمنين وبناته اللاتي تخرجن من مدرسة النبوة. كل واحدة منهن كانت رائدة لمعنى من معاني هذه الرحمة سلوكا وعملا وجهادا.
سودة بنت زمعة رضي الله عنها
تزوجها رسول الله ﷺ بعد سن الخمسين باستثناء خديجة التي تزوجها في الشباب.
أول زواج بعد خديجة رضي الله عنها كان من سودة وهي أول أرملة في الإسلام. والمهاجرة المؤمنة المريحة الطبع الحنينة على بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقائمة على شؤونهن. وقد اختارت من الدنيا أن تبعث يوم القيامة مع أزواج رسول الله ﷺ ولا طلب لها سوى ذلك. وقد توفي زوجها المؤمن المهاجر معها إلى الحبشة لتعاني محنة الترمل بعد محنة الاغتراب.
لم يجرأ أحد أن يفاتح رسول الله ﷺ بالزواج بعد وفاة خديجة سوى خولة بنت حكيم التي أشارت إليه بالزواج من سودة الثيب أو من عائشة بنت أبي بكر البكر، فعقد على عائشة وتزوج سودة وأصدقها عليه الصلاة أربعمائة دينار.
ولما كبرت سودة جعلت يومها رضي الله عنها من رسول الله ﷺ لعائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله جعلت يومي منك لعائشة.
وقوله تعالى في سورة النساء (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) الآية 128 نزلت في سودة، قال ذلك أبو عمر أي أخرجه أبو عمر. قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: “وان امرأة خافت من بعلها….” هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول: أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من أمري، فذلك قوله تعالى (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) النساء. وفي رواية قالت: “هو الرجل يرى من امرأته مالا يعجبه كبرا أو غيرة فيريد فراقها فتقول : أمسكني وأقسم لي ما شئت، قالت فلا بأس إذا تراضيا. وقال بن أبي خيثمة: توفيت سودة بنت زمعة رضي الله عنها في آخر زمان عمر بن الخطاب. وقال فيها الإمام الذهبي: كانت سودة رضي الله عنها سيدة جليلة نبيلة يروى لها خمسة أحاديث منها في الصحيحين وواحد عند البخاري. قال الشنقيطي: كانت مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع وكان يعرف ما بها من ضعف، حيث أنها كانت بطيئة جسيمة، فرفق بها ورحم ضعفها فأذن لها بالسير ليلا من المشعر الحرام إلى منى لتصل فلا تتورط في زحام الناس. وفي هذه الحجة بسط رسول الله ﷺ يد الرحمة لأمته فكان لا يسأله أحد من الحجاج عما قدم أو أخر من حجه إلا قال: “إفعل ولا حرج”. كل ذلك ببركة سودة فهي التي كانت أول من استأذنه ورحم كل من استأذنه بعدها رضي الله عنه وأرضاها ونفعنا بذكرها.