بحث حول الآية 25 إلى 27 من سورة الحج.
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
اتفق أهل التفسير أن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أمره الله أن ينادي في الناس بالحج إلى البيت الذي أمره ببنائه.
قال ربي كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذ إليهم. أجابه الحق عز وجل ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على جبل أبي قابس، وقال أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه. فيقال إن الجبال قد تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل من كتب الله له أن يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك.
قال الإمام القشيري أذّن إبراهيم عليه السلام بالحج ونادى، وأسمع الله نداءه جميع الذرية في أصلاب أبائهم، فاستجاب من المعلوم من حاله أنه يحج. وقدّم الرجالة على الركبان لأن الحمل على المركوب أكثر من كل فج عميق من كل طريق بعيد وقوله جل ذكره ليشهدوا منافع لهم.
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن سيدنا إبراهيم حيث قال في دعائه: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف.
فأرباب الأموال منافعهم أموالهم وأرباب الاعمال منافعهم حلاوة طاعتهم وأصحاب الأحوال منافعهم صفاء أنفاسهم وأهل التوحيد منافعهم رضاهم باختيار الحق مايبدو من الغيب لهم.
ويذكرون اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام. هي منافع الدنيا والآخرة. أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات.
والأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة آخرها يوم النحر. وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العمل فيها أفضل. ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الأيام المعلومات هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وورد ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل. وقوله عز وجل على ما رزقناهم من بهيمة الأنعام: يعني الإبل والبقر والغنم كما فصلها الله في سورة الانعام.
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير: شاركوا الفقراء في الأكل من دبيحتكم الذي ليس بواجب لتلحقكم بركات الفقراء. والإشارة فيه أن ينزلوا ساحة الخضوع والتواضع ومجانبة الزهو والتكبر. وقوله عزّ وجل (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) فيقضوا حوائجهم وليحققوا عهودهم وليوفوا نذرهم أن يتحللوا من أوزارهم وفي ما عقدوه مع الله بقلوبهم. فمن كان عقده التوبة ألا يرجع إلى العصيان، ومن كان عهده اعتناق الطاعة فشرط وفائه ترك تقصيره، ومن كان عهده ألا يرجع إلى طلب مقام وتطلع إكرام فوفاؤه استقامته على الجملة في هذا الطريق بألا يرجع إلى استعجال نصيب واقتضاء حظ.
وقوله عزّ وجل (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) إشارة في الطواف إلى أنه يطوف بنفسه حول البيت وبقلبه في ملكوت السماء وبسره في ساحات الملكوت.
ومن فضائل الحج كركن خامس من أركان الإسلام ما أفاضت به الأحاديث الشريفة في بعض ما يلي:
الحج المعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ مَا بِرُّ الْحَجِّ الْمَبْرُورُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ». إسناده حسن. والمبرور هو الذي لايقع فيه معصية.
وَعَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه، نَرى الجِهَادَ أَفضَلَ العملِ، أفَلا نُجاهِدُ؟ فَقَالَ: “لكِنْ أَفضَلُ الجِهَادِ: حَجٌّ مبرُورٌ” رواهُ البخاريُّ.
وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الحج جهاد كل ضعيف)) رواه ابن ماجة
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الْحَاجُّ يَشْفَعُ فِي أَرْبَعِ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ، أَوْ قَالَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البزار وإسناده ضعيف.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله عز وجل يباهي ملائكته بالطائفين)) رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان وابن عدي.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِسَبْعمائةِ ضِعْفٍ». أخرجه البخاري تعليقًا في «التاريخ الكبير» وإسناده ضعيف.
وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) رواه الترمدي وإسناده ضعيف.
وعن أنس بن مالك قال “كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم” يعني في الفضل. رواه البيهقي والأصبهاني.
وأختم بقول الأستاذ المرشد في كتاب تنوير المؤمنات صفحة 356:
“شعائر وحركات للتعظيم، ياتيها المسلمات والمسلمون من مختلف جهات الشوق، وبقاع الأرض، وألوان الخلق، ودرجات الإيمان. فيفيض الله تعالى رحمته على العباد، ويغفر الذنب، … ويَخْزَى الشيطان أشد الخزي يوم عرفةِ لما يرى من سَعة رحمة الله، كما يخزى لسماع «لبيك اللهم لبيك» استجابة المؤمنات والمؤمنين لنداء مولاهم. … عبادة هي من أسمى العبادات تجمع المسلمات والمسلمين على صعيد واحد ليتعارفوا ويتشاوروا، ويشهدوا منافع لهم. ُش ْع ٌث غُبرٌ تجردوا لله عن حولهم وقوتهم وجاءوه يجأرون إليه بالدعاء والتلبية، …”