بحث في عبادة الأركان الخمسة.
شهر رمضان من أفضل الشهور عند الله وفي حديث رسول الله ﷺ (… ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له) رواه الترمذي وصححه الألباني. ولكي يكون صومنا مقبولا لابد أن يكون صحيحا ومعنى صحة الصوم، صوم الوصول إلى المقصود من الصوم، وهو التخلق بخلق من أخلاق الله عزوجل، وهو الصمدية والإقتداء بالملائكة الأطهار في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات.
والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته. وهو أيضا دون رتبة الملائكة لإستيلاء الشهوات عليه ولكونه مبتلى بمجاهدتها. فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم. وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، المقربون من الله عز وجل. والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله كقربهم. فإن الشبيه من القريب قريب (وليس القرب بالمكان بل بالصفات). وإذا كان هذا الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب، فأي جدوى في تأخير أكلة أو جمع أكلتين عند العشاء، مع الانهماك في الشهوات والأباطيل طول النهار؟؟ لو كان لمثل ذلك جدوى لما قال رسول الله ﷺ (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)؟؟
والصائم المفطر هو الذي يطلق جوارحه بمخالطة الآثام.
وإنه لما تلى رسول الله ﷺ قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وضع يده على سمعه وبصره فقال (السمع أمانة والبصر أمانة)، ولولا أنهما من أمانات الصوم لما أشار إليهما رسول الله ﷺ. فإن لكل عبادة باطنا وظاهرا وقشرا ولبّا، ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات.
فإياك أن تقنع بالقشر عن اللباب.
المصدر: “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي.