بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مناقب أمهات المؤمنين وحضور المرأة في اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ظن الناس عبر عصور أو قرون العض والجبر أن المرأة لا حظّ لها في السلوك إلى الله ولا عبرة بوجودها. وأثر هذا على المرأة بالإحباط. فإذا كانت المرأة غائبة فكيف تغرس لنا معاني التربية الإحسانية في الناشئة، وقد غيب كثير من الفقهاء وغيرهم جانب السلوك لدى المرأة، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما مدّ رحمته إلى الرجل كذلك مدّ رحمته واهتمامه إلى المرأة. وخير مثالٍ أزواجه أمهات المؤمنين وبناته اللاتي تخرجن من مدرسة النبوة. كل واحدة منهن كانت رائدة لمعنى من معاني هذه الرحمة سلوكا وعملا وجهادا.
عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما
هي الصديقة بنت الصديق زوجة سيد ولد آدم وأحب نسائه إليه صلى الله عليه وعلى آله، وابنة أحب الرجال إليه المبرأة من فوق سبع سماوات الفقيهة الربانية التي أثبتت للدنيا منذ أربعة عشر قرنا أن المرأة يمكن أن تكون أعلم من الرجال وأن تكون سياسية تشارك الرجل في المعترك السياسي.
تخرجت من مدرسة النبوة وجمعت من العلم والفضل والبيان ما جعلها تخلق في التاريخ دويا تتناقل أصدائه العصور. استطاعت أن تلجم أفواه المرتدة، وكان خطابها سياسيا محنكا بليغا فخاطبت الناس على قدر عقولهم.
فكيف تنتصر الأخت منا في هذا الزمان لدين الله وللأخوة في الله، كما انتصرت سيدتنا عائشة للإسلام في شخص أبيها، فجمعت شتات المسلمين في حرب الردة بقوة إيمانها وشجاعتها في الحق، فأرسلت إلى مجموعة من الرجال لتخاطبهم، وهم نخبة من عيلة القوم في حرب الردة في عهد أبي بكر وكانت على الحق، والحق انطقها بتلك الفصاحة البليغة والفريدة.
أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: نموذج المرأة في عهد الرسالة كانت خير زوجة اهتمت بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغت من العلم والبلاغة ما جعلها معلمة للرجال والنساء ومرجعا لهم في الحديث والسنة والفقه وعلم الفرائض والأنساب والطب.
لم يزعجها الفقر ولم يبطرها الغنى، صانت عزة نفسها فهانت عليها الدنيا وعادت لا تبالي إقبالها أو إدبارها.
فسلام الأجيال عليك من بعدك يا حبيبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله.
اختصت بعشر خصال:
عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: “أُعْطِيتُ عَشْرَ خِصَالٍ لَمْ تُعْطَهُنَّ ذَاتُ خِمَارٍ قَبْلِي:
(1) صُوِّرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُصَوَّرَ فِي رَحِمِ أُمِّي،
(2) وَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ بِكْرًا،
(3) وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرِي،
(4) وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُوِل اللَّهِ الْوَحْيُ وَهُوَ بَيْنَ سَحَرِي وَنَحْرِي،
(5) وَنَزَلَتْ بَرَاءَتِي مِنَ السَّمَاءِ،
(6) وَكُنْتُ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ،
(7) وَكَانَ أَبِي أَحَبَّ الرِّجَالِ إِلَيْهِ،
(8) وَخُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي،
(9) وَتُوُفِّيَ فِي يَوْمِي،
(10) وَدُفِنَ فِي بَيْتِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ”
أخرجه نظام الملك في أماليه، إلا أن الزركشي ذكر لها أربعين خصلة.
وقولها: خير بين حاقنتي وذاقنتي: تريد والله أعلم :التخيير بين الحياة والموت حين اختار الرفيق الأعلى.
روي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا ومائتا حديث وعشرة أحاديث (1210). وتوفيت عن ست وستين سنة، ودفنت في البقيع في خلافة معاوية. وقيل لها ندفنك مع رسول الله صلى الله عليه قالت ادفنوني مع أخواتي فدفنت بالبقيع.
شخصية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها متميزة فريدة فهي من اختيار الله عز وجل لرسوله. وقد مكنها ذكاؤها من أن تحيط بسنة رسول الله إحاطة كاملة.
ووظفت ما حفظته عن رسول الله ﷺ في حل كثير من المشكلات التي تواجه المسلمين. وقد أوتيت مقدرة كبيرة في الفهم الفقهي والاستنباط الشرعي.
وقد انفردت بعدة آراء فقهية خاصة بها تنم عن ذكائها ودقة فهمها. وقد شهد لها بذلك جل علماء عصرها، وكذلك الزركشي والسيوطي بعده وهم من علماء القرن الثامن الهجري، وغيرهم كمحمد بن علي البغدادي. هذا إلى جانب الصحابة الكرام. ومع ذلك فقد كانت رضي الله عنها غير مدعية ولا متكبرة في علمها، ولا تتكلم في شيء لا تعرفه بل تحيل سائلها إلى من هو أعلم منها بذلك.