مناقب أمهات المؤمنين: خديجة

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة مناقب أمهات المؤمنين وحضور المرأة في اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم.

ظن الناس عبر عصور أو قرون العض والجبر أن المرأة لا حظّ لها في السلوك إلى الله ولا عبرة بوجودها. وأثر هذا على المرأة بالإحباط. فإذا كانت المرأة غائبة فكيف تغرس لنا معاني التربية الإحسانية في الناشئة، وقد غيب كثير من الفقهاء وغيرهم جانب السلوك لدى المرأة، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما مدّ رحمته إلى الرجل كذلك مدّ رحمته واهتمامه إلى المرأة. وخير مثالٍ أزواجه أمهات المؤمنين وبناته اللاتي تخرجن من مدرسة النبوة. كل واحدة منهن كانت رائدة لمعنى من معاني هذه الرحمة سلوكا وعملا وجهادا.

خديجة بنت خويلد

الزوجة الحنون والعاقلة المدبرة والحكيمة المبشرة بالجنة وبالسلام من رب الأرض والسماء، فقالت: الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام.

والتي بشرها الله ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب. كانت مثال الزوجة التي وفت وآوت وواست بعقلها الراجح وثباتها وصبرها وحسن تدبيرها. والمرأة إذا اختارت ووفقت في اختيار فهذا دليل على عقلها وحسن تدبيرها. قالت فيما أخرجه الشيخان “والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”. أنظر كيف رأت بعقلها وفطرتها السليمة أن من كانت أفعاله صالحة لا يمكن أن يخزيه الله. وأن الإسلام ليس مثاليات تحفظ في السطور ولكنه علم يتحول إلى نماذج في حياة الناس.

اختصها الله بالسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنها أنشأت بيتا زوجيا مثاليا. إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتعبه ولا ترفع صوتها بحضوره وذلك معنى لا صخب فيه. ولماذا قال: “قصب” لأنها حازت قصب السبق، والقصب المراد به اللؤلؤ المجوف. ويستفاد من الحديث أن جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.
الحديث “يا خديجة هذا جبريل يقرئك من ربك السلام”، قال جبريل للنبي ﷺ “إن الله يقرئ خديجة السلام”، فأخبرها فقالت “إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته”.

وفي هذه القصة دليل وفور فقهها لأنها لم تقل “وعليه السلام”. عَرفت خديجة رضي الله عنها بصحة فهمها، أن الله لا يُرد عليه السلام كما يُرد على المخلوقين، لأن السلام اسم من أسماء الله وهو أيضا دعاء بالسلامة، وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله. فكأنها قالت كيف أقول عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل؟ فيستفاد منه أنه لا يليق بالله إلا الثناء عليه. فجعلت مكان الرد عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره فقالت وعلى جبريل السلام ثم قالت وعليك السلام.

والحكمة الإلهية من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة : تهيئ ظروف التغيير الهائل الذي ينتظر محمد عليه الصلاة والسلام. فالحكمة الإلهية اقتضت له خديجة المرأة الحكيمة العاقلة الناصحة ذات قلب ووعي. ولو كانت خديجة فتاة صغيرة طائشة فلن تستطيع أن تستوعب تلك التجربة الهائلة التي يمر بها أشرف خلق الله من البشرية العادية التي تختلط بالملائكة وتتلقى من الله بواسطة الملك.

أثنى عليها رسول الله ﷺ وقال لعائشة ((لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ، …)).

كان يكرم صويحباتها بعد وفاتها إكراما لها ولذكراها، لذلك كان السبق لخديجة في أول الإسلام في مؤازرتها ونصرتها وقيامها في الدين لله بمالها ونفسها، لم يشاركها فيه أحد لا عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين.

ولعائشة بعد ذلك تأثير في حمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من الأمر ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تتميز به عن غيرها. جاء في الفتح الباري لابن حجر عن السبكي: لعائشة من الفضائل مالا يحصى ولكن الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة.

فما أعظمك يا خديجة وما أحوجنا إلى أمثالك في عصرنا، رضي الله عنك وأرضاك.

Leave a Reply