التصوف يا أخا الإسلام يعني الذين سلكوا طريق تصفية القلوب يعني (الإحسان). وهو مسلكهم في السير إلى الله. والصوفية هم صفوة هذه الأمة، هم خلاصة التابعين وتابع التابعين، بل حتى الذين يرجع إليهم اليوم والذين ينقلون مقالاتهم في الكلام عن أهل الله وعن الصالحين.
وفي كتاب ابن تيمية في الفتاوى، وهو من الذين يحتج به الذين يشتمون أو يتجرؤون على الصوفية وعلى الصالحين وعلى الأئمة السابقين، نجد ابن تيمية في كتابه هذا يفتخر أن له صلة بسند يتصل بالإمام عبد القادر الجيلاني، وتلميذه ابن القيم الذي يحتجون به أيضا نجده شرح كتابا في ثلاث مجلدات من كتب الصوفية اسمه – مدارج السالكين في شرح منازل السائرين – وهناك كتاب في الزهد للإمام ابن حنبل نجده كتابا في التصوف، ثم هناك كتاب أعلام النبلاء للإمام الحافظ الذهبي من أكابر حفاظ الحديث الذين يرجع إليهم. نجده لما ترجم للأئمة ترجم لأكابر أئمة التصوف.
ثم نرجع الى صفة الصفوة للإمام ابن الجوزي نجد أكابر أئمة التصوف في العصور المتقدمة هم الذين يترجم لهم في هذا الكتاب.
لكن الأمر أصبح قلب الحقاق، فقد أصبح الشتم بما كان السابقون يمدحون به وأن كلام المتجرئين على الله وعلى رسوله وعلى دينه وعلى الصالحين ليس بحجة على الأمة ان تتبع بعض السقطات ونقل بعض عبارات مدعي التصوف أو من نسب إلى التصوف ليس بحجة.
الحجة فيما عليه سلف الأمة، اقرأ كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي تجد أئمة التصوف هم صدور هذا الكتاب. وقد ترجم الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن معروف الكرخي وهو من كبار أئمة التصوف وقال فيما قال (وقبر معروف ترياق مجرب) أثني عليهم وأثنى حتى على ضرائحهم فكيف على اشخاصهم.
والله يا أخا الإسلام أقول إنكم زعزعتم ثقتنا في علمائنا وتقديرنا لهم فلم نعد نعلم الحابل من النابل ولا الغث ولا السمين ولا البر ولا الفاجر. فلم يبقى لنا إلا أن نلزم حلس بيوتنا وننتظر حتفنا ولا نأخذ بقول أحد لأن في زحمة هذه التناقضات بات الإسلام غريبا كما جاء غريبا فطوبا للغرباء. ونملك إلا ان استفتي قلبي فما وافق الفطرة السليمة فهو الإسلام وما شاد عن ذلك فهو الحثالة والزي.
لقد شكك السنة في علمائنا وصلحائنا كما شكك الشيعة في الصحابة الكرام واختلط الحابل بالنابل ونصب الشيطان ألويته ونصب منابره واجتهد ولم يترك عاقلا ولا تقيا إلا تلبس به إبليس اللعين (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)) سورة ص. وهكذا زعزع بعض المغالين من أهل السنة ثقة الناس في علمائهم الاجلاء.
في الماضي اختلف سادتنا العلماء ولكن ذلك ما كان لينقص مثقال ذرة من سموهم وتحابهم وإجلالهم لبعضهم البعض. بل إن قلوبهم العامرة بالله إيمانا لم يكن ليتسرب إليها دحان الخلافات التي وضعوها في محلها الصحيح حتى لا تثمر في القلوب حقدا وجفاء ويكون الحصاد كراهية وبغضاء كما هو الحال الآن في هذا القرن الواحد والعشرين. وأي إسلام يستقيم إن غابت عنه جلائل الأخلاق وعظمائها وأي تدين هذا إن خلا من الرفق والمودة والرحمة واللين متناثرة هي جواهر ثمينة.
شباب في البدايات يلوكون كلام عمالقة الإسلام يتناولونه ويسكونه سيوفا يشهرونها في وجوه العامة والخاصة. يتطاولون على العلماء ويوزعون الأحكام بالجملة جزافا لا يستثنون عَمرا ولا زيدا من أمة مفتونة، مع عدم التحري وتغيب الحكمة والرحمة.
هدا المرض العضال جعل من مجتمعاتنا المسلم المؤمن من امتنا أشلاء جسد متناثرة هي جواهر ثمينة ولبنات قوية لكنها متناثرة. لبن ركام لا تواد ولا تعاطف ولا تراحم. عندما يفقد المؤمن بوصلة التوجيه السليم يضيع في دهاليز مظلمة ويتعثر خطابه وتزيغ خطواته أنداك لا يروم الآخر بمنطقه وفصاحته ولايريد أن يرى في الآخر إلا مرآة تعكس صورته.
هده الحالة المأرومة إنما هي حصيلة تقديم الفروع على الأصول، وتيه في الفروع الفقهية وتضييع للأصول الإيمانية. فروع يعمل فيها اللسان والعقل والمنطق وأصول تخدم وتصلح القلب. ولا صلاح ولا إصلاح الا بصلاح هذه المضغة.
هذا الفقه والعلم والقرآن صرنا ننثره نثر الدقل لأننا لم نطعم حقيقة الايمان.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (اوتينا الايمان قبل القران …..ايمان قبل القران …..). ان تحصيل الأصول التربوية الايمانية من ذكر ومحبة وصدق ومراقبة وخبأة ومصاحبة لأرباب العلوم وأطباء القلوب هي الأصول الكفيلة بأن تغلف الخلاف بألوان ترضها القلوب ولا تنكرها الفطر السليمة.
في سورة الحجرات يعلمنا الله عزو جل ان الأمة جمع مجموع من المسلمين والمؤمنين والأنصار والمهاجرين والأعراب وأن المؤمنين إخوة نسير بينهم بالإصلاح كما تعلمنا أن الناس شعوبا وقبائل يتعارفون فيعرفون المعروف وينكرون المنكر، والكل جمع مجموع إن لم يؤمن وقعد في أعرابيته فهو مسلم لَمّا يدخل الإيمان في قلبه. هو أدامنا ونحن منه تجب له حقوق المؤمن على المؤمن يحرم ماله ودمه وعرضه وتجب موالاته (المؤمنون بعضهم أولياء بعض) وتكون حرمته أعظم.
هده النصوص وغيرها كثير، كلها تحث على الجمع ولمّ الكلمة والتعفف عن السخرية وبخس الحقوق. وفي نشوة حماس وغضب تضيع كل المعاني التي ما جاء الإسلام ورسوله الا بها (إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق). فما بال كثير من العباد لا يجدون غير فنون التفريق والتشتيت يكيلون للمؤمنين الذين يزاحمونهم على أبواب المساجد بالمناكب، أنواع السباب بالتنقيص والتحقير لا محبة ولا صلة رحم الأخوة في الدين ولا نصيحة، بل يتطاولون على العلماء حتى بتنا نسمع ألقابا وأسامي ما يليق بالمؤمن الحريص على دينه أن يتلفظ بها في حق العامة فأحرى علماء وأعلام الأمة (بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ) سورة الحجرات – الآية 11.
إن هذا المرض الذي فشى في الأمة مرده إلى الاهتمام بالتفريعات الفقهية على حساب الأصول الإيمانية فجعل من الأول أصلا ومن الثاني فرعا.
ابتلاء صنف من العباد بالنبش في الخلافات بل إحياء ما قد انتهى منها وطوي في التأليف والمصنفات والمغالات فيه وجعله مدار الدين.
سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عاش زمان ما قبل الإسلام وعاش الإسلام في عهد النبوة ثم عاش الفتنة بعد الخلافة الراشدة والفتنة بعد ذلك، سأله سائل عن الفتنة فقال لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق و الباطل.
فما هو الدين الذي إذا عرفه المسلم نجا به من ضرر الفتنة، إنه الدين كما جاء في حديث جبريل عليه السلام هو إسلام +- وايمان – وإحسان.