الحافظية

بسم الله الرحمن الرحيم

حظيَ هذا الموضوع باهتمام المرشد المربي سيدي عبد السلام رحمه الله وجزاه الله عن الأمة خيرا في كتابه “تنوير المومنات”. فجمع لنا اللباب وأنار لنا الطريق وكفا الباحث والباحثة مشقة البحث والتنقيب في تصانيف التفاسير. الموضوع هو من الأهمية  بمكان. يهم الجميع رجالا ونساء فهم شقائق في الأحكام والواجبات، الآية 34 من سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ). وقد خص المرشد سيدي عبد السلام عنوانا في كتابه تنوير المؤمنات لموضوع هذه الآية وما اشتملت عليه من ركائز بناء الأسرة المسلمة ((تنوير المومنات)) حضرة الحافظية.

كلمة توحي إلينا أن هناك مايضيع إن لم تحفظه المرأة. والحافظية هي الحفاظ على كل ما غاب عن الرجل. وهي الاستمرار والاستقرار اللذان هما أساس السكون في الحياة الزوجية. فالنساء هن المدبرات لضرورات معاش الأسرة وهن المحضن لأجسام الأنام. وهن الراعيات لحياة البشرية واستقرار الأسرة التي هي نواة الخلية في المجتمع المتماسك المستقر باستقرار البناء الأسري، الذي هو مسؤولية المرأة والرجل على السواء بمقتضى الحديث الشريف ((أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) متفق عليه.

فما هو الغيب الذي إن حفظناه بما حفظ الله، يعني بما أمر الله، كنا من الصالحات القانتات ونلنا بذلك رضا الله عز وجل. يجيب الأستاذ المرشد في سؤال يقودك إلى الجواب في شمولياته وعمقه بحكمة أهل الدراية والتربية أطباء القلوب، فيقول ما هو أثمن شيء في حياة الأمة استحق أن ينبه الله تعالى إليه في كتابه الحكيم. ويجعل المحافظة عليه من خصائص المرأة التي هي نصف المجتمع، والقوامة من خصائص النصف الآخر الرجل. لاشك أنها مهمة  كبيرة تلك التي تعدل بين قوامة الرجل وحافظية  المرأة ليحمل الرجل والمرأة عبأهما. هذه المهمة هي عبادة الله تعالى المقرونة بخوف العقاب الأخروي ورجاء الجنة ورضى المولى.

في أداء هذه المهمة يتكامل حضور أحد الرفيقين وغيابهما. الحضور الفطري للرجل في مجال الكسب والمدافعة والسعي على العيال يغيبه عن مجالات إن لم تحفظها المرأة ضاعت. أي أن حافظية المرأة هي تحمل ما كلفها به الشرع. حافظيتها لا تقتصر على حفظ حقوق الزوج، بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها. حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم  لاتقتصر على شغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه. وفي الحديث الذي رواه الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال ((خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في ‏نفسها ومالك)).

هذا الحديث مفتاح لفهم معنى الحافظية. كما قال الأستاذ المربي المرشد هذا الحديث يعطينا استقرار البيت المسلم الذي تسوده المودة والرحمة. البيت المسلم الذي يمارس فيه الزوج (درجة) قائد السفينة. والسفينة تتحرك من دوالب خفية ووقود وصيانة تطيع الربان وتحفظ غيبه في نفسها وماله. وزاد الأستاذ توضيحا وقال دخلنا بفضل المفتاح النبوي (وهو الحديث السابق) إلى باب من أولويات الحافظية وهي حفظ الأنساب. ويقرر أولوياته صلى الله عليه وسلم فيقول فيما رواه مسلم من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ ((من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا)).

ومن هنا  نلمس دخول المرأة على مقاصد الشريعة العلياء، وهي حفظ العقل والدين والمال والنفس. ويعبر فقيه المقاصد وهو الإمام الشاطبي رحمه الله بكلمة (حفظ) عن واجب المسلم والمسلمة وعن واجب الأمة في تحقيق ما كلفوا به. ويردف الأستاذ المرشد على كلام فقيه المقاصد ويقول، تلك ضروريات خمس قرأنا منها ثلاثا. قَرأنا حافظية المرأة على النسب وعلى نفسها، وهما متلازمان. ثم حافظيتها على مال زوجها. بقيت ضروريتان مما عند إمام فقه المقاصد: حفظ الدين، وحفظ العقل. هل ينحفظ شيء من أمانات النساء إن لم يكن إيمانهن باعثا، وعقلهن مدبرا؟

وعلى نسائنا اليافعات والمقبلات على الزواج ودور الأمومة والتربية، أن يفهمن ما عليهن من حقوق وواجبات وما فرض الله عليهن من رعاية وحسن تبعل. فكلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته فالمرأة هي قطب الرحمة وهي الكل في الكل وبها يكمل الرجل وبه تكمل.

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))  الآية 1 من سورة النساء.

Leave a Reply