بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مناقب أمهات المؤمنين وحضور المرأة في اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ظن الناس عبر عصور أو قرون العض والجبر أن المرأة لا حظّ لها في السلوك إلى الله ولا عبرة بوجودها. وأثر هذا على المرأة بالإحباط. فإذا كانت المرأة غائبة فكيف تغرس لنا معاني التربية الإحسانية في الناشئة، وقد غيب كثير من الفقهاء وغيرهم جانب السلوك لدى المرأة، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما مدّ رحمته إلى الرجل كذلك مدّ رحمته واهتمامه إلى المرأة. وخير مثالٍ أزواجه أمهات المؤمنين وبناته اللاتي تخرجن من مدرسة النبوة. كل واحدة منهن كانت رائدة لمعنى من معاني هذه الرحمة سلوكا وعملا وجهادا.
حفصة بنت سيدنا عمر رضي الله عنهما وأرضاهما
حارسة القرآن: توفي عنها الصحابي الجليل خنيس بن حدافة الذي شهد بدرا وأحد وكانت إصابته في أحد. وخلف الأرملة الشابة حفصة وهي بنت الثامنة عشر من عمرها. فأعرضها عمر على أبي بكر فلم يجيب، وعرضها على عثمان فلم يجيب، وشكا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنته التي عزت عليه أن تترمل في هذا السن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ؛ ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة)). وكان عثمان قد تزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت على إثر مرضها بالحصبة.
فتهلل وجه عمر فلقيه أبو بكر على تلك الحال وأدرك على الفور سر تهلهله وقال له مهنئا معتذرا إن رسول الله قد ذكر لي حفصة وما كنت لأفشي سر رسول الله، ولو تركها لتزوجتها. وقد ذكر ذلك البخاري في باب عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها في سنة ثلاث من الهجرة، قال عنها الذهبي في سير أعلام النبلاء: الستر الرفيع بنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب تزوجها النبي ﷺ بعد انقضاء عدتها من خنيس بن حدافة أحد المهاجرين. ومولدها كان قبل البعثة بخمس سنين. وكان دخوله بها في نحو العشرين من عمرها.
وقال عنها الشنقيطي: أنها من خيرة أمهات المؤمنين عرفت بكثرة الصوم والصلاة والأمانة، وعدت مع عائشة ممن حفظ القرآن وعندها كان المصحف الذي كتبه زيد بن تابث الأنصاري بأمر من أبي بكر وعمر.
وكانت كذلك ممن روين عن رسول الله ﷺ، ولقد كان رسول الله ﷺ حريصا على إرضائها وأسر إليها حديثا قيل عنه أنه في تحريم جاريته مارية، ورضيت حفصة بالحديث وأخبرت به صديقاتها عائشة، وأخبره العليم الخبير بما كانت تتحدث به حفصة وعائشة وأمرهما بالتوبة النصوح.
وتقول بعض الروايات: إن النبي ﷺ طلق حفصة بعد هذا وأمره جبريل أن يراجعها مرضاة لعمر وتقديرا لعبادتها.
وأدركت حفصة رضي الله عنها ما سببته للزوج الكريم من ألم في إذاعة سره فتابت عن خطئها وعاشت كأحسن ما تكون المرأة مع زوجها. وما انتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى وفي خلافة أبي بكر اختيرت من بين أمهات المؤمنين جميعا وفيهن عائشة لتحفظ أول مصحف خطي للقرآن الكريم. وعاشت حفصة رضي الله عنها منفردة بشرف الائتمان على دستور الأمة وكتابها الأول ومصدر شريعتها الراشدة.