نرى من دراسة سيرة أمهات المؤمنين أن التعدد عند رسول الله صل الله عليه لم يكن زواج شهوة أو متعة كما يتبادر إلى دهن أعداء الإسلام. وانما تزوج بعد خديجة بدواعي النبوة والدعوة. أما محمد الرجل فقد تزوج خديجة فقط. والتعدد كان موجودا ولم ينشئه رسول الله. سيدنا إبراهيم وسيدنا يوسف وداود وسليمان عليهم السلام كلهم عددوا. وقد تزوج النبي لأسباب مختلفة. للدعوة وتوريث الدين بمعاشرتهن للنبوة، والرحمة في الأخذ من معين السنة المطهرة بالملازمة والمخللة. فكان زواجهن حكمة من الله للمؤمنين في توريثهم ميراة نبيهم في عهد الصحابة وفي أجيال التابعين والتابعات ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وفي ذلك حازت عائشة رضي الله عنها قصَب السبق فكانت المرجع الأول لصحابة رسول الله صل الله عليه وسلم في كل العلوم. وهي أعلم بالمسلمين بدينهم.
وللتعدد ضوابط شرعية للمؤمنين مثنى وثلاث ورباع. وإن الحق سبحانه استثنى نبيه في المعدود لا في العدد. لأنه لو كان استثناه في العدد لكان إذا طلق واحدة لأتى بواحدة أخرى مكانها ولو ماتت إحدى زوجاته لتزوج غيرها، لكنه ممنوع من الزواج بعد ذلك مطلقا. فبذلك استثناه الحق سبحانه في المعدود بذاته بحيث لو انتهيا جميعا ما صح لمحمد صل الله عليه أن يتزوج.
فسبحان من أفاض على خلقه الرحمة وضمن الكتاب المنزل أن رحمته سبقت غضبه وان محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين.
لذلك كانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى المنكر. فكان النبي صل الله عليه أبا للمؤمنين وتفرع عن هذه الأبوة أن جعلت أزواجه أمهاتهم. فأرواحهم وقلوبهم ولدت به ولادة غير ولادة الأمهات. قال الله عز وجل (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الآية 2 سورة الجمعة.