تنظيم الوقت تربية

وقتك أختي المؤمنة رأس مالك فلا تنفقيه هدرا. حددي أهدافك في كل عمل صغيرا كان أو كبيرا. فالأشغال اليومية داخل البيت وخارجه مجموعة مترابطة مع بعضها البعض سواء شعرت بذلك أو لم تشعري فإذا أهملت عملا أو واجبا فسيترتب عن ذلك تعطيل السير داخل المنظومة أو خارجها. فلا تؤخري عمل يومك الى غدك فإن لكل يوم عملا.

نظمي أشغالك وواجباتك حسب الأولويات.

وقتك بمثابة ميزانية تنفقين منها حسب حاجياتك الدنيوية والأخروية والوقت أنفس ما يملك الانسان. إن الوقت ليس من ذهب فقط بل هو أنفس وأثمن من ذلك إنما هو الحياة كما قال الشهيد حسن البنا، فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى الوفاة.  الإسلام وآدابه تؤكد قيمة الوقت وتوقظ في الإنسان الوعي بأهمية الوقت مع حركة الكون ودورة الفلك وسير الشمس والقمر واختلاف الليل والنهار. قال الحسن البصري ما من يوم ينشق فجره إلا ينادي يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.

فوقتك أيتها المؤمنة هو إحدى وسائلك لبناء آخرتك وسعادة حياتك في الدنيا والآخرة فلا تضيعيه فيما لا يعود عليك بخيري الدنيا والاخرة.

يوم المؤمنة وليلتها

ينبغي للمسلمة المؤمنة إذا أرادت أن يبارك الله في عمرها أن تسير على نظام الحياة اليومي في الإسلام.  وهذا النظام يقتضي ان تستيقظ مبكرة وتنام مبكرة. عملا بالحديث الشريف – بورك لأمتي في بكورها – رواه احمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم.

تفتح المؤمنة يومها بطاعة الله مصلية فرضها وسننه تالية ما تيسر لها من أذكار الصباح المأثورة عن رسول الله صل الله عليه وسلم وقراءة حزبها اليومي من كتاب الله وأورادها من استغفار وصلاة على رسول الله ثم الكلمة الطيبة لا اله الا الله وتجدد نيتها مع الله في عملها داخل البيت وخارجه. وإن أعمالها جهاد وعبادة إذا صحت النية في القصد والطلب الذي هو إرادة وجه الله تعالى ورضاه، مع أن لا يشغلها كل ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، وأن تؤدي أعمالها بأمانة وإتقان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم –  إن الله كتب الإحسان على كل شيء – رواه مسلم.

ثم إن لربك عليك حق ولأهلك عليك حق ولنفسك عليك حق. وتأدية هذه الحقوق بأمانة وصدق وإتقان – من فروض جبهتك الجهادية. ولنفسك عليك حق. سنة القيلولة مثلا تستعينين بها على قيام الليل ويقظة البكور. وإليها أشار القرآن الكريم – وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة – وإذا جاء وقت العصر تسارع المؤمنة للفوز بالصلاة الوسطى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) سورة البقرة الآية 238.  ولا يجوز أن تشتغل عنها بأي شيء،  فالصلاة صلة بالله  ومحطات استراحة في التوجه إلى المولى ليمدنا بمدد العون والطمأنينة حتى لا يجرفنا تيار الفتن المحدقة والمتربصة بالإنسان على درب الحياة الفانية والمؤدي إما إلى نعيم أو عذاب. 

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمؤذن فجر الإسلام بلال بن رباح رضي الله عنه أرحنا بها يا بلال. وهو قول يوقظنا الى دوق معنى هذه الراحة المنشودة. ولا تؤخر المؤمنة طعام عشاءها إلى ما بعد صلاة العشاء فإن ذلك يعرقل بكورها. وإن النوم باكرا من الأمور التي تبتت صحيا لأن الإنسان جزء من هذا الكون السائر بعظمة وجلال. وسبحان من خلق كل شيء وقدره تقديرا.

وتستطيع المؤمنة ان تقضي بعض الحقوق بعد صلاة العصر كبعض الزيارات والمجاملات. وينبغي أن يكون في يومها حظ من القراءة طلبا للزيادة في العلم. قال الله تعالى ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. وكما قيل –  تعلموا العلم من المهد الى اللحد. ولا يجوز للمؤمنة ان تتهاون في حق من الحقوق.  حق الله تعالى خالق الخلق وواهب الحياة وصاحب النعم. فما بكم من نعمة فمن الله. ثم حق الوالدين والإحسان إليهما. والقرآن والسنة يؤكدان ذلك. ثم حق دوي القربى وأولي الأرحام.

وينبغي للمؤمنة أن تستفيد مما كتبه علماؤنا من كتب وأقوال والأعمال الدينية المطلوبة في الصباح والمساء واليوم والليلة. وتغرف من تلك الكتب حسب خصوصيتها وحسب جبهتها. ولتعمل المؤمنة من الأذكار ما يناسب ظروفها وخصوصيتها.

ولتجتهد ألا يفوتها فضل الذاكرين والذاكرات الله كثيرا. وليكن من أورادها كذلك مجالس العلم والإيمان وخدمة المؤمنين وخدمة دعوة الله حتى يكون سيف الذكر في لسانها حصنا لها من الفتنة المحدقة بها من كل جانب. وحتى تصل إلى الطمأنينة المنشودة في يومها وغدها.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه “ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم. قلت وما المخرج منها يا رسول الله قال.. كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم”. ثم لا تفتقد المؤمنة في حقل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في جهاد دؤوب على منهاج النبوة اقتداء بالصحابيات والتابعات من السلف الصالح اللاتي أخذن من معين الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثة انتقلت من جيل إلى جيل. والزهراء خير مثال وما أحوجنا إلى أمثالها في عصر طغت فيه الماديات على الروحانيات. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلي سبحان الله والحمد لله والله أكبر تغنيك عن خادم. هذا الذكر هو خدامها الذي امتزجت أنفاسها بروحانيته تسليما واتباعا وفيضا نورانيا ملأ جوانب حياتها الحافلة بالخدمة. خدمة زوجها وأبنائها وجيرانها ودويها والتي بوأتها سيدة نساء العالمين وسيدة أهل الجنة. 

فما أحوجنا إليك يا ابنة رسول الله وإلى قلبك الفياض بأنوار الإيمان والإخلاص.

وخلاصة هذا المقال أن تأخذ المؤمنة أهبتها للمستقبل وتتهيأ للأمر قبل وقوعه، يعني أن تكون عندها منهجية في التفكير فيما يجب عليها من مهام، انطلاقا من جبهتها كأم وزوجة وربّة بيت وعالمة ومتعلمة وطالبة علم وداعية. هؤلاء الحافظات للغيب بما حفظ الله. ولله در شاعر الجيل حافظ إبراهيم حيث قال في قصيدته المشهورة :

الأم مدرسة إذا أعددتها    **   أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم أستاذ الأساتذة الأولى   **   شغلت مآثرهم مدى الحياة 

Leave a Reply