لما بايع الأنصار رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا سبعين رجلا قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت. قال: اشترط لربي ان تعبدوه واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قالوا فاذا فعلنا ذلك فما لنا قال: الجنة – قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت الآيات 112 و113 من سورة التوبة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) مثل الله تعالى جزاء المؤمنين بالجنة على بذلهم الأموال والانفس في سبيله بصورة عقد فيه بيع وشراء فقال عز من قائل (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم) أي ابشروا بذلك البيع الرابح وافرحوا به غاية الفرح لذلك قال سبحانه (وذلك هو الفوز العظيم) الذي لا فوز أعظم منه وهو الجنة دار السلام دار الابرار والقاتل والمقتول في الجنة فذكر سبحانه الاوصاف التسعة الذين من هؤلاء الفائزين فالبسهم حلل هذه الاوصاف فقال التائبون. العابدون. الحامدون. السائحون. الراكعون. الساجدون. الآمرون بالمعروف. الناهون عن المنكر. والحافظون لحدود الله. وبشر المؤمنين.
نستخلص من الآية الكريمة الابعاد التربوية الربانية في شمولية المقصد الأسمى في التهذيب القرآني. والاسوة رسول الله صل الله عليه وسلم هذب بالقران، فكان قرانا يمشي على الأرض كما قالت امنا عائشة رضي الله عنها لما سؤلت عن خلق رسول الله صل الله عليه، وهو القائل أذبني ربي فأحسن تأديبي، فهو العروة الوثقى والأسوة المثلى صل الله عليه وسلم وعلى آله ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين. وكيف نحقق هذه المعاني الربانية في أنفسنا – التي تحملها هذه الآية – في واقعنا حتى نحيا المستوى الإنساني المطلوب من العبودية لله عزو جل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وقد استخلفنا الله عزو جل بعد توبة أبينا آدام كان ثمن التوبة أن أخرج من صلبه رسلا وأنبياء وهداة ومصلحين ومبدعين وأئمة هدى لا إله إلا الله، وعلم آدم الأسماء كلها (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى).
أسئلة نطرحها بيننا لتعمنا الأرزاق المعنوية التي يجريها الله على ألسن الحاضرات في مجلس تُقضى فيه الحاجات العظمى عند المولى الكريم المنان، الذي يلهم من صفت نيتها للتلقي والتجلي. وأعظم حاجة نسعى إليها أن يرضى الله عنا ويقبلنا في رحمته وأن يتوب علينا.
وعن الشيخ الامام عبد القادر رضي الله عنه في التعريف بالتوبة قال: (التوبة قلب دولة. تقلِبُ دولة نفسك وهواك فتحكّم فيها الشرع على الهوى وتزيل العادة بالعبادة مكانها وتزيل المعصية وتترك منها الطاعة). التوبة إذًا يقظة قلب وتحفز إرادة لاستكمال الايمان وقرع أبواب الاحسان. فيتوب الله علينا لنتوب إليه، ورجاؤنا في الله أن تتحقق فينا الاوصاف التسعة من هذه الآية 113 من سورة التوبة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).