قال الحسن البصري : وقفت على بزَّاز – بائع قماش – بمكة أشتري منه ثوباً، فجعل يمدح ويحلف، فتركته، وقلت لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.
ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنوات؟
قال: بلى.
قلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى، ما أراك تمدح ولا تحلف ؟
فقال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزَرَته [احتقرَته واستَقَلَّته]، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إلي فأماتها.
فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي ثم قالت: يا فلان اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبًا؛ إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
الزواج مسؤولية
أقول للبنات والأمهات في هذه الكلمة المتواضعة بقلب مفعم بالمودة والحنو والاخاء. إن الزواج مسؤولية قبل أن يكون فسح ونزه وغير ذلك من حفلات وأعراف وعادات وتقاليد وفساتين و…و…و.
مسؤولية أمام الله الذي أودع كتابه آيات بينات لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. أن يعي القصد ويبصر الحكمة. فالإنسان خليفة الله في الأرض ولابد أن نفهم ما معنى الخلافة وهي أن تسير أيها الإنسان على هدى من الله كما أراد من استخلفك في هذه الحياة وفضلك وأسجد لك ملائكته.
الحياة الزوجية نقطة تحول في حياة الرجل والمرأة على السواء، فما هو هذا التحول وما هو البعد الذي يعطيانه لكل هذه الاستعدادات والترتيبات التي تسبق هذه النقطة المحورية في حياة العروسين، الذين سيشكلان نواة أسرة مبنية على أسس من تقوى الله عز وجل. فبدون استقرار هذه النواة التي هي الأسرة، لن يتحقق فينا موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بشرنا في أحاديث صحاح بأن (الخلافة على منهاج النبوة) آتية وهو حديث رواه ابن حبان في صحيحه وغيره.
خلافة الإنسان في هذه الأرض تقتضي إذن السير وفق منهج النبوة. فما هي الطرق العملية لهذا السير؟
لابد لذلك من مجاهدة: مجاهدة النفس والهوى والشيطان، لابد من اقتحام هذه العقبات الثلاث. لابد لذلك من صبر ومصابرة في مجتمع مفتون، فالأمر إذا يقتضي منهما الجندية في العمل والصدق في النية في إرادة وجه الله والعمل بمقتضى المصطفى عليه الصلاة والسلام كيف كان قرانا يمشي على الأرض. إذا قارنا العمل بهذه النية انطبق عليهما الحديث الذي يقول فيه الحبيب المصطفى عليه الصلاة السلام ( العبادة في الهرج كالهجرة معي) ومعنى (الهرج) هو هذا الواقع المفتون من عولمة وموضة ودرهم وغير ذلك من أصنام هذا الزمان، كما أشار بذلك الإمام عبد السلام في معنى هذا الحديث، فالواحد أحيانا يبيع آخرته مقابل هذه الأصنام المعبودة لديه.
وإذا قلنا آنفا أن الزواج مسؤولية وأن هذه المسؤولية تقتضي من الزوجين المودة والرحمة بالمفهوم الواسع من رفق وتؤدة وسَمت حسن مع صبر وحكمة وتعلم وتعليم وبعد نظر ونفس طويل وعلم وتحلم وامتثال لأوامر الله الذي قدر فهدى فجمع فأوعى.
ومن جاهد لاستكمال الفضائل النفسية والخلقية فلن يخيبه الله ولا يضله. هذه المودة والرحمة هي فطرة أودعها الله في الإنسان ما لم تدنس أو تطمس. عندما ينشأ الإنسان في بيئة موبوءة ملوثة لا مراعات فيها ولا مبادئ ولا توجيه ولا حكمة خلقية ولا دين يُفقه ويُعَلّم، لن يعطي إلا ما أخد وفاقد الشيء لا يعطيه أحيانا. ومن هنا كانت مسؤولية استقرار الأسرة على أسس المودة والرحمة من أهم العوامل في إيجاد مجتمع فاضل.
فالطفل في الخمس سنين الأولى من حياته كالمرآة ينطبع في نفسيته كل سلوكيات أبويه لتظهر للعيان عندما يستكمل هذا الطفل أو هذا الانسان رجولته أو تستكمل أنوثتها.
فلتحرص كل أم على هذه المرحلة من عمر أولادها ولتتجند لها بالدراية ثم بالتفرغ التام لإعداد جيل خال من العقد والأمراض النفسية والجسمية والعقلية. و لينتبه الأبوان إلى الميولات الإبداعية التي خص الله بها أبناؤهما والعناية بهذه الميولات بتوجيهاتهما الحكيمة والواعية في تلك السن المبكرة من عمر الأكباد التي تمشي على الأرض.
وإن التوازن في المعاملة مع الطفل هو الحكمة. لا زيادة في تدليله ولا تلبية لكل طلباته فيغدو أناني الطباع مائعا مندفعا. ولا نعنفه أكثر من اللازم و نهمله فينشأ ضعيف الشخصية عديم الثقة بنفسه، فيغلب عليه طابع العنف والغضب والعدوانية. فالمرحلة إذا حرجة للغاية، فالأبوان فيها كالجندي في ساحة الجهاد عليه أن يكون حذرا كل الحذر لكي يربح المعركة أو سيخسرها لنفسه ومجتمعه ومستقبل أولاده.
هذه التي ذكرنا هي أولى المسؤوليات وهي مسؤولية تربية الأبناء وإعداد النشئ ورعايته بأسلوب منهجي حكيم مبني على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك يتفرع الباقي من مقومات الأسرة الناجحة والفاضلة والنموذجية .ثم إن إدارة شؤون البيت من أهم ما يستوجب استقرار وسعادة الحياة الزوجية. ثم إن الاستقرار من ضروريات هذه التربية المتوازنة والحكيمة والتي هي من ضمن المقصد في الزواج، وهو الحفاظ على النسل وصيانة الإنسان جسما وروحا بالتربية المتوازنة، فيتم الاستخلاف في الأرض وفق منهج الرحمن الرحيم الذي أودع كل شيء خلقه حكمة وتفصيلا.
ولا يمكن ان تدخل الفتاة أو الفتى إلى معترك الحياة الزوجية وهما لا يدريان ما لهما وما عليهما من كل المسؤوليات التي تنتظرهما كي ينعما بحياة مستقرة سعيدة. ومن البديهي أن إدارة شؤون البيت كإدارة شؤون الدولة وربما اكثر من ذلك لإن الأسرة عماد مجتمع فاضل وبها تنهض الأمم والدول، فإما الإفلاس والطوفان أو النجاح ماديا ومعنويا. ولقل ما نسمع من ضج المحاكم بالمشاكل والقضايا التي تنذر بالطلاق وتشريد الأبناء وانحراف الأزواج وتفكيك المجتمعات. فلتتقي كل والدة ووالد الله فيما وهبهما من الذرية، فالبنات والبنين هدية الله، ورعايتهم واجبة بالتربية والتوجيه من شكر الله، اللهم اجعلنا من الشاكرين.
وختاما أقول بكل تأكيد أن الدراية بإدارة شؤون البيت والأسرة يضمن للفتى والفتاة الاستقرار والسعادة في ظل حافظية وقوامة، ومنها يتولد روح السكن والمودة.