كيف أحج

لابد من النية يعني أن تقول سأحج كما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لي سواك يا ربي جئت إليك مهاجرا.
ماذا تعني النية هي ابتغاء وجه الله تعالى: أن تدخل النية في كل نفس من أنفاسك في كل لحظة جدد النية وأن لا تكن لديك أي مصلحة إلا أن يرضى الله عنك.
لابد أن أجدد النية عند كل منسك لكي يرضى الله عني وأن هذه الطاعة لله عز وجل.
لقد ذكر الله عز وجل دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام لمكانة البيت، زيادة في تشريفه فقال ((وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)) الآية 21 سورة البقرة، ((قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) الآية 126 سورة البقرة.
واعلم أيها الحاج أن دعاء الأنبياء عليهم السلام كما يصدق بالحس يصدق بالمعنى فيشمل دعاء الخليل القلوب التي هي بلد الايمان والأرواح التي هي معدن الأسرار والتجليات، فتكون آمنة من طوارق الشيطان ومحفوظة آمنة من الأكدار فيرزقها الله من ثمرة العلوم ويفتح لها من مخازن الفهوم. من آمن منهم بالشريعة الظاهرة وجاهد نفسه في عمل الطريقة الباطنة حتى اشرقت عليه أنوار الحقيقة العنانية وأما من كفر بطريق الخصوص ووقف مع ظاهر النصوص فإنما يمتع بعلم الرسوم الذي حلاوته اللسان ثم يلجا الى عذاب الحجاب وسوء الحساب ولم يفض إلى حلاوة الشهود والعيان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((جهادكن الحج والعمرة)) لما سألته أمنا عائشة رضي الله عنها جهاد عمليا لتطهير النفس من رجس الشيطان وصقلها من رعونات الأهواء. فعندما يغادر الإنسان مألوفه إلى ما يجسد أمامه حقائق الآخرة وخروجه من الدنيا إلى عالم الشهادة وملاقاة الله عز وجل عاريا من سواه.
وفي مدارستنا هذه نعيش بكياننا مع الحجاج الأبرار بكل كياننا خطوة خطوة ونتخيلهم في كل منسك وكل حركة طلبا من الله أن يوفقهم ويرزقنا فضل سعيهم وجهادهم ويرزقنا تلبية نداء إبراهيم عليه السلام الذي وفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
ومعنى التلبية إظهار الإجابة لما سبق في الأزل، وكل حاج تظهر منه التلبية على قدر ما أجاب في صلب أبيه، أما من لم يجب ذلك النداء الإبراهيمي فهم الذين لم يضرب لهم الله بسهم في الحج مع كونهم سمعوا.
الطواف بالبيت هو الصلاة: فاحضر في قلبك التعظيم والخوف والرجاء والمحبة، واعلم أنك بالطواف تكون متشبها بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله. والمقصود طواف قلبك بذكر رب البيت المنعم الذي ترى نعمه ولا تدرك ذاته فلا يبتدئ الذكر إلا به كما يبتدئ الطواف من الحجر الأسعد يمين الله في الأرض وعلى الحاج أن يرمل في الثلاثة أشواط الأولى ويقول ما كان يقوله المصطفى عليه الصلاة والسلام (اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا) وأن يقول في الأشواط الأربعة الأخيرة (ربي اغفر وارحم تجاوز عما تعلم إنك تعلم ما لا أعلم إنك أنت الله الأعز الأكرم) وأن يقول في طوافه (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم) ويقول بين الركنين (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
مقام إبراهيم لم يصلّ فيه رسول الله إلا لما نزلت فيه الآية (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) الآية 125 سورة البقرة.
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الآية 27 سورة الحج: كل ضامر معناه الإبل ولكن معناها لغة كل ما يضمرك ويحفظك بدخولك فيه، يعني حتى الوسائل الحديثة وذلك إعجاز قرآني في كلام رب العالمين ورب الأكوان والخلائق.
له معقبات من بين يديه هم الملائكة الحافين حول العرش يسبحون بحمد ربهم ولإيفترون.
وفي رمي الجمار فأنت ترمي حظ الشطان متأسيا بنبي الله إبراهيم عليه السلام وهاجر أم إسماعيل عليهما السلام، ومعنى ذلك أن تقتل حظ الشيطان في نفسك وأعمال الحج كلها علاج للأرواح، فمن دخل مقام الإنابة اعتصم بنور الكفاية عن توتر المعصية ومن دخل مقام اليقين آمن من الشك والريب.


أعمال الحاج المتمتع

أول شيء يفعله الحاج أو الحاجة أن يغتسل ويتطيب ويلبس ملابس الاحرام ويبدأ إحرامه بصلاة ركعتين سنة الإحرام ويقول اللهم إني نويت العمرة والحج متمتعا فيسّرهما لي وتقبلهما مني يا رب العالمين، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

وعندما يصل الى مكة المكرمة ويطالع الكعبة المشرفة، يقول اللهم زد هذا البيت تشريفا ومهابة وبرّا وزد من زاره ممن حجه أو اعتمر، تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا. ويستمر في ترديد التلبية حتى يدخل الحرم ويتوجه الى الكعبة، وعندما يصير في واجهة الحجر الأسعد يبدئ الطواف من أمام الحجر الأسعد قائلا بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، بسم الله والله أكبر. ويطوف سبعة أشواط يبدئ من الحجر الأسعد وينتهي عنده. وإن استطاع الحاج أن يقبل الحجر الأسعد أثناء طوافه فليفعل فانه يمين الله في الأرض. وتقبيله كأنه عهد بين العبد وبين ربه على الطاعة ويدعو خلال طوافه بما يفتح الله عليه وبما شاء. وليذكر أن خير الذكر كلام الله عز وجل والأدعية التي علمنا القرآن إياها – إن كان يحفظها – وليحرص على أن يردد بين الركن اليماني والحجر الأسعد، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وتكتمل الأشواط السبعة عند الحجر الأسعد كما بدأت عند الحجر الاسعد وهذا الطواف بالنسبة للمتمتع هو طواف العمرة. ويغني عن طواف القدوم بالنسبة لأداء فريضة الحج. وبعد انتهاء الأشواط السبعة يتوجه الى المنطقة الواقعة وراء مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث يصلي ركعتين سنة الطواف امتثالا لقوله سبحانه (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) الآية 125 سورة البقرة.
ثم يتوجه إلى بئر زمزم ويشرب من مائها فهي لما شربت له. وبعد ذلك يتوجه الى الملتزم أسفل باب الكعبة ويدعو بما شاء. ثم يتوجه الى الصفا حيث يصعد الى أعلاها ويقف مستشرفا الكعبة قائلا (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
هذا الحاج المتمتع الذي أدى مناسك الحج طوافا بالكعبة وسعيا بين الصفا والمروة، يتحلل عند المروة بحلق شعر رأسه أو قص بعض شعيرات منه، ويلبس ملابسه العادية ويتطيب ويقص أظافره إن أراد ذلك، ويظل متمتعا حتى اليوم الثامن من ذي الحجة حيث يحرم من جديد من مكانه المقيم فيه، حيث يغتسل ويتطيب ويلبس ملابس الإحرام ويصلي ركعتين سنة الإحرام وينوي الحج، ويلبي ويقول اللهم إني نويت الحج فيسره لي وتقبله مني يارب العالمين، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
ثم يتوجه الى منى حيث يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر التاسع من ذي الحجة، ثم يتوجه إلى عرفات الله، وبعد إشراقة شمس يوم التاسع
ويقف الحاج بعرفة طوال اليوم التاسع ذاكرا متعبدا، ويصلي بها الظهر والعصر قصرا وجمعا جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ولا يرهق نفسه بالصعود إلى جبل الرحمة، فعرفة كلها موقف وكلها رحمة إن شاء الله وكلها مغفرة ورضوان من الله، وأفضل الذكر في هذا اليوم (لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحمْدُ، وَهُو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ).
وبعد اختفاء ضوء الشمس يفيض الحجاج من عرفة إلى مزدلفة مشمولين برحمة الله ومغفرته. ويصلّون المغرب والعشاء قصرا وجمعا بمزدلفة، والمبيت بمزدلفة أفضل لكن يجزئ مجرد المرور بها والصلاة بها.
ويمكن بعد الصلاة النزول إلى منى حيث يبيتون بها ليلة العيد. وفي صباح العاشر من ذي الحجة (يوم العيد) يرمون جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات. ويمكن لذوي الأعذار من كبار السن والنساء والمرضى الرمي بعد منتصف ليلة العاشر من ذي الحجة. ويمكن لهم أن يوكلوا من يرمي نيابة عنهم حتى لا يصابوا بأذى، والدين يُسر لا عسر، ولن يشاد هذا الدين أحدا إلا غلبه.
ومن رمى جمرة العقبة يمكن أن يحلق أو يقصر ويتحلل من إحرامه. ويسعى الحاج المتمتع بعد طواف الإفاضة يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط من الصفا إلى المروة – هذا شوط – ومن المروة إلى الصفا – هذا شوط ثان – وتنتهي الأشواط السبعة عند المروة. ويمكن أن يسعى بملابسه العادية ما دام قد طاف طواف الإفاضة ويكون بذلك قد أتم المشاعر وعليه الهدي. ويبقى بمنى يومي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة حتى يرمي الجمرات الثلاث في اليومين. ويمكن أن يؤجل طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام منى وبعد طواف الإفاضة يكون قد تحلل من جميع ما كان محرما عليه والله يتقبل من الجميع.



1- المناسك لا تتجاوز مكة، أما المسجد النبوي والمسجد الأقصى فإنما تُشدّ إليهما الرحال للتعبد، ولا يدخلان في مناسك الحج.
2- لقد احتاج الناس إلى فتاوى فقهية في الاستنباط من النصوص الشرعية لدرء المفسدة، فقد كان الهدي فيما مضى يُذبح ويُترك لمن يأخذه ثم كانت فتوى للاستفادة من هذه الأضاحي بوضعها في الثلاجات وتوزيعها على فقراء مكة وغير مكة.
3- ومن أراء بعض العلماء أن أهم مقاصد الحج – كشعيرة من شعائر الدين وركنها الخامس – هي توحيد الأمة (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ …)الآية 28 سورة الحج.

المصدر

سلسلة كتب التصوف الإسلامي (الكتاب الثالث والعشرون)

Leave a Reply