الحج شعيرة من أعظم الشعائر

لتحقيق المساوات والتعارف في رحاب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) و(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)،كان لابد للحاج من فهم معاني وأسرار وحكم الحج ليعود الحاج بفائدة روحية إيمانية تربوية إحسانية. المساوات بين كل الطبقات هي أهم ما يخرج به الحاج، لأن هذا الدين جاء لتحقيق مقاصد عظمة الكلمة السواء التي تجمعنا. هي من قيم ما شرعه الله من معاني الأخوة الإنسانية في التعارف والمساواة ووحدة المسلمين ومناقشة أمورهم. الحج إذا مؤتمر إسلامي عظيم.

قال رسول الله صل الله عليه لما سألته عائشة رضي الله عنها: (جهادكن الحج والعمرة) صدقت يا رسول الله إنه والله جهاد عملي لتطهير النفس من رجس الشيطان، وصقلها من رعونات الأهواء. فعندما يغادر الإنسان مألوفه إلى ما يجسد أمامه حقائق الآخرة و يتخيل بإحرامه خروجه من الدنيا إلى عالم الشهادة و ملاقات الله عاريا من سواه عز وجل.

فتعال أيها الحاج والحاجة نغوص في أسرار أعمال الحج لنتخيل أنفسنا في رحلة ملكوتية تنقلنا إلى عالم التجليات من إحرام وتلبية وطواف وسعي ووقوف بعرفة ورمي للجمرات وحلق ونحر وإلى ماهنالك من أنوار وتجليات حول الكعبة والمقام وزمزم والصفاء ومنى والمشعر الحرام. ونعيش بكياننا مع الحجاج الابرار بكياننا خطوة خطوة ونخيلهم في كل منسك وكل حركة، طلبا من الله أن يوفقهم ويرزقنا فضل سعيهم وجهادهم. ويرزقنا فضل تلبية نداء إبراهيم عليه السلام الذي وفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

ومن دخل مقام الإنابة اعتصم بنور الكفاية عن تواتر المعصية. ومن دخل مقام الوفاء ذاق طعم الصفاء. ومن دخل مقام اليقين أمن من أغيار الشك والريب. ولقد ذكر الله دعاء إبراهيم الخليل لمكانة البيت زيادة في تشريفه فقال عز من قائل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الآية 126 من سورة البقرة.

واعلم أيها الحاج أن دعاء الأنبياء عليهم السلام كما يصدق بالحس يصدق بالمعنى، فيشمل دعاء الخليل القلوب التي هي بلد الإيمان والأرواح التي هي معدن الأسرار والإحسان، فتكون آمنة من طوارق الشيطان ومحفوظة من الوقوف مع رؤية الأكوان آمنة من الاكدار، فيرزقها الله من ثمرة العلوم ويفتح لها من مخازن الفهوم. من آمن منهم بالشريعة الظاهرة وجاهد نفسه في عمل الطريقة الباطنة حتى أشرقت عليه أنوار الحقيقة العيانية.

وأما من كفر بطريق الخصوص ووقف مع ظاهر النصوص فإنما يمتع بعلم الرسوم الذي حلاوته اللسان ثم يلجأ إلى عذاب الحجاب وسوء الحساب، ولم يفض إلى حلاوة الشهود والعيان.

المصدر “سلسلة كتب التصوف الإسلامي”

Leave a Reply